النظرة الواسعة .. حينما يتفوّق الوعي على المثالية

في عالم لا يعترف بالثبات، تصبح النظرة الواسعة واحدة من أهم سمات العقل الواعي، القادر على تجاوز حدود اللحظة والتفكير في ما وراء المشهد الظاهر. إنها ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة عملية تُمكّن الإنسان من قراءة الواقع كما هو، بكل تعقيداته واحتمالاته، دون تجميل زائف أو تهويل مبالغ فيه.
إن توقع جميع الاحتمالات هو انعكاس لنضج فكري، لا يركن إلى الأمنيات، ولا ينساق خلف تفاؤل ساذج. بل هو إدراك عميق بأن الأمور قد لا تسير كما نريد، وأن جزءًا من النجاح الحقيقي يكمن في الاستعداد الذهني والعملي لما قد يحدث، لا لما نحب أن يحدث. فمن لا يحتاط للبدائل، قد يتعثر عند أول مفترق طريق.
في المقابل، المثالية المفرطة قد تبدو في ظاهرها سموًا أخلاقيًا، لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى عبء يعطل الحركة ويقيد القرار. فالتعامل مع الواقع بمنطق “كل شيء يجب أن يكون كاملاً” يجعل صاحبه عرضة للإحباط المتكرر، لأنه يواجه واقعًا لا يخضع للمثالية، بل يتشكل من ظروف متغيرة، ونفوس مختلفة، ومواقف قد لا تكون منصفة دائمًا.
الحياة، في جوهرها، أشبه بلعبة ، لا تربح فيها كل الجولات، لكنك إن اتسعت رؤيتك، وأعددت أكثر من خطة، وتقبّلت أن تضحي في بعض الأحيان في سبيل مكاسب أكبر، فإنك تصل إلى النهاية بثبات وثقة. وهكذا هي النظرة الواسعة، تمنحك القدرة على الموازنة بين ما تريده وما هو ممكن، وتقيك الوقوع في فخ الأحكام السطحية أو التوقعات الحالمة.
يجب أن ندرك أن الذكاء ليس أن نرسم عالمًا مثاليًا لا يشوبه نقص، بل في أن نعيش في هذا العالم بمرونة، نُدير واقعنا بإدراك، ونُهيئ قراراتنا لكافة الاتجاهات، دون أن نفقد بوصلتنا الأخلاقية. فالحكمة، كل الحكمة، في أن نرى الصورة كاملة، لا كما نحب أن نراها، بل كما هي .