جيل بين الشاشة والواقع

‏في خضم التحول الرقمي المتسارع، وتزايد الاعتماد على التقنية في تفاصيل الحياة اليومية، يعيش جيل اليوم حالة من التداخل الحاد بين القيم التي تُبنى في البيت والمدرسة، وتلك التي تُبث عبر الشاشات والمنصات الاجتماعية. لم يعد التأثير مقتصرًا على المربي أو المعلم، بل أصبح – المؤثر الرقمي – وإن كان بلا مؤهلات تربوية قدوة يتابعها الملايين، تُشكل ذائقتهم  وتُعيد تشكيل مفاهيمهم حول النجاح، الهوية، والعلاقات.

‏تواجه المدرسة ، والأسر السعودية اليوم معركة صامتة، لكنها عميقة الأثر: كيف تغرس القيم في بيئة تُغمر الأبناء فيها بمحتوى سريع، سطحي، وموجّه أحيانًا بقيم لا تمثل ثوابتهم الثقافية والدينية ؟

‏الإشكال لا يكمن في وجود التقنية، ولا في تطور أدوات التعبير، بل في غياب المعايير، وافتقاد كثير من الآباء والأمهات أدوات التعامل مع هذا الواقع الجديد –  بل إن بعض البيوت سلّمت أبناءها بالكامل للشاشة، فغابت الرقابة، وانسحب الحوار، وانفرط عقد القدوة.

‏المؤسسات التعليمية والثقافية لم تقصر غير انها مطالبة اليوم بدور أكثر فعالية، لا بمجرد التحذير أو المنع، بل عبر صناعة محتوى بديل يحمل المتعة والرسالة معًا، ويعزز من حضور القدوات الحقيقية على الساحة الرقمية ، كما أن الإعلام المحلي يجب أن يتحول من دور الناقل إلى دور الفاعل في صياغة خطاب قيم يتماشى مع متغيرات العصر، ويخاطب الجيل بلغة يفهمها، دون أن يساوم على مبادئه.

‏صناعة القيم لم تعد حكرًا على النظم التربوية والتعليمية التقليدية، بل أصبحت مسؤولية تشاركية بين الأسرة والمدرسة  والإعلام الرقمي.

وفي غياب التنسيق والتكامل بين هذه الأطراف، سنخسر معركة التأثير، ويكبر الجيل مشوش الهوية، يتبع من يصرخ أكثر لا من يوجه أفضل.

‏فلنُعِد الاعتبار للقدوة، ولنُدخلها الساحة الرقمية بوعي ورسالة، قبل أن تُعيد الشاشات تشكيل جيل لا يعرف من أين أتى، ولا إلى أين يُقاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى