عيد الأضحى .. حين يتجدد الإيمان وتعلو القيم

في زمنٍ تزدحم فيه الحياة بمشاغلها، ويغرق الناس في دوامات العمل واللهاث خلف الماديات، يطلُّ عيد الأضحى المبارك بوجهه النقي، ليعيد ترتيب الأولويات، ويهمس في وجدان المؤمن: “توقف قليلًا.. واذكر لماذا خُلقت”.
عيد الأضحى ليس مجرد مناسبة دينية تتكرر، بل هو محطة تربوية كبرى تتجلى فيها أسمى معاني الطاعة، والتضحية، والإيمان المطلق، حين نتأمل موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام في استسلامه لأمر الله، ثم تسليم ابنه إسماعيل بكل رضا ويقين، تتجسد أمامنا صورة الإيمان الحقيقي الخالي من الشكوك.
العيد.. درس في الإخلاص والطاعة
ما أحوجنا في هذا الزمن إلى استحضار معنى “التسليم لأمر الله”، لا استسلام العاجز، بل تسليم العارف بأن الخير فيما اختاره الله، فكم من قرارات تحتاج منا قوة إيمان لا قوة منطق، وثقة مطلقة لا حسابات معقدة.
الأضحية.. تذكرة يومية بأن العطاء يقربنا
حين نقدّم الأضحية، فإننا لا نقدم لحمًا ودمًا، بل نقدم نية القرب والرضا، كما قال تعالى: “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ” [سورة الحج: 37]
هي عبادة تُمارَس بالجوارح، لكن أثرها يُحفر في القلب . . العيد.. موسم لصلة الرحم وترميم القلوب
في العيد نُقبّل أيدي آبائنا، نصل أحبابنا، نبتسم للجار، ونتجاوز عن الزلات.
إنها أيام لإصلاح ما كُسر، وإعادة ترميم ما أهملناه طوال العام.
وقد قال رسول الله ﷺ: “ما من عملٍ أفضل عند الله يوم النحر من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا” [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
عيدنا.. رسالة إنسانية
بين بهجة الأطفال، وكسوة الفقراء، وتوزيع اللحوم، تتجلى الروح الاجتماعية للإسلام، دينٌ لا يعزل التدين عن المسؤولية، ولا يفصل العبادة عن الإحسان.
العيد فرصة لأن نُري الله من أنفسنا خيرًا، لا فقط في الشعائر، بل في الخلق والسلوك والعطاء.
تذكير: في عيد الأضحى، لا نحتفل بذبح الأضاحي فحسب، بل نحتفل بانتصار الروح على الأنانية، وبقيمة التضحية في زمن كثر فيه التعلق بالذات.
فلنُحيِ العيد قلوبًا قبل أن نُحييه مظاهر.
عيدكم مبارك، وتقبل الله طاعاتكم.