بكاء الهامش : (رثاء الصعاليك وبكاء الأصدقاء ) محاضرة في أسبوعية القحطاني

استأنفت أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني نشاطها لهذا الموسم باستضافة الأديب حسني مالك، في محاضرة بعنوان (بكاء الهامش: رثاء الصعاليك وبكاء الأصدقاء)، وأدارها الأستاذ سفر بخيت الزهراني.
وضيف الأسبوعية المحاضر حسني مالك من مواليد المملكة العربية السعودية، ويحمل الجنسية السودانية، وتعود أصوله إلى قبيلة القرعان، في حين يصف نفسه بأنه “تشادي الأصل، سوداني الجنسية، سعودي النشأة، عربي الهوى والهوية” ، وقد قدم عريف الأمسية في مستهلها نبذة وافية عن الضيف ، وأثنى على براعته وإبداعه مشيرا الى حضوره الفاعل في المشهد الثقافي السعودي وفي العديد من البرامج الثقافية المرئية.
ثم أعطيت الكلمة بعد ذلك لصاحب الأسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني الذي رحب بضيوفه ثم
تحدث عن مصطلح الصعاليك الذي سرا بين الناس عن كونه سُبة وهي ليست كذلك، مُذكرًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاوية بن أبي سفيان بالصعولك، فهي كلمة ليست بالمشينة وتداعب الإحساس.
موضحا أن لقائه بالمحاضر هذه الليلة وجها لوجه هو الأول رغم حضوره لمقر الأسبوعية في وقت سابق كان فيه غائبا ،وهو يعتبره ابن لهذه البلاد و عاشق للكلمة ومواطن صالح .
وبعد ان أعطيت الكلمة للمحاضر حسني مالك أعرب عن بالغ شكره وإمتنانه للمضيف وأبنائه وعريف الأمسية وروادها، وأردف قائلا بأن شعر الصعاليك يمثل جزء رئيسي في تاريخ الشعر العربي الجاهلي ويحمل في تفاصيله إختلاف في المضمون، وأن الحديث سيكون عن كيفية إنتهاج الصعاليك الرثاء في عصر ما قبل الإسلام، مضيفا بأن الرثاء مرتبط بالموت وأستعرض كيف نظر الشعراء قبل الإسلام للموت، ومدى توافق وإختلاف الصعاليك ومن تبعهم في العصر الحديث، وأن مختصر الرثاء في الشعر الجاهلي بأنه أمر قدري لابد منه، ومنهم من كانوا يؤمنون بأنه نهاية الحياة وأن لا وجود للبعث بعده، وهناك نظرة أخرى في صورة واعتقاد الشعراء الصعاليك بحقيقة البعث بعد الموت ومن رمزياتها أنهم كانوا يربطون راحلة الميت بجوار قبره ليستعين بها بعد البعث.
وإستطرد المحاضر في نظرة الصعاليك للموت وأن نهج حياتهم كان أقرب للموت وأنهم كسواهم مدركين بحقيقة القدرية، وإستيعابهم بانه آتٍ لا محالة مهما تغربوا وعاشوا في الصحراء او الجبال، ودلل المحاضر على ذلك بالعديد من النماذج الشعرية من اشعار الصعاليك مشيرا بان الرثاء يعد الأكثر صدقًا في بحور الشعر وهو ضرب من المديح ويستحضر الشجن وعظمة الفقد ، وقسمه الى ثلاثة أقسام : بكاء النفس ، والأهل ، والعزاء ، والتأبين، مؤكدا على أن أكثر صور رثاء الصعاليك يتضح في رثاء الإخوان ورثاء الأبناء مستشهدا بعدد من النماذج الشعرية لأبو خراش الهُذلي، والكثير من شعراء هُذيل الذين لهم باعٌ كبير في الرثاء، وقال بان فكرة الثأر عند العرب مستمدة من عصر ما قبل الإسلام وزامن الصعاليك في العديد من العصور.
وليشير بعدها الى بعض الصور من إستشهاد الصعاليك بالحياة البرية للحيوانات أمثال الوعل، وأنهم يضربون بها المثل بأن الحيوانات أيضًا مهما طال بهم الدهر يدركون حقيقة الموت، وتتعدد الصور البديعة في أشعارهم التي تتجه كلها نحو حقيقة الموت، وتحدث عن صورة اخرى في رثاء الأبناء عند كبر آبائهم حيث تعظم المصيبة لحاجة الآباء لهم أكثر، كرثاء أم السُليك لإبنها، ورثاء صقر الغي لإبنه تليد وقد جاء ذكرهما في ديوان الهُذليين، الذي تخلله في كثيرٍ من شعرهم وصف الحمر الوحشية وصراعاتهم خاصةً الشماخ، وأخيرًا رثاء الصعاليك لبعضهم البعض والذي نجد فيه أعلى القيم، مستشهدًا بعدة نماذج لذلك ، وموضحا بأن مفهوم الصعلكة يضم الصراع الطبقي ومن دلالاته ايضا الفقر والضعف والسلوك العدواني والغارات بين القبائل والاغتراب .
وبعد ذلك تم فتح باب الحوار والمداخلات مع الضيف والتي شارك بها كل من أ.مشعل الحارثي،وأ.عبدالمؤمن القين، ود.بخيت الزهراني، ود. إسماعيل كتبخانه ،أ. عبدالهادي صالح، ود.يوسف العارف، وأ.عادل زكي، وأ.عمر حامد، وأ.فرحان عيضة المالكي ليقوم المحاضر بعد ذلك بالرد على جميع هذه المداخلات ويوضح في تعليقه بأن فكرة الصعلكة ما زالت مستمرًة حتى وقتنا الحالي وأنها قولية وليست فعلية لتواجد الأنظمة السياسية، وأن دلالة كلمة الصعاليك على مر العصور تغيرت معانيها من السلوك العدواني الى معاني اخرى، وأن ما يميز شعر الصعاليك تفردهم بعدة مواضيع لم يتحدث بها غيرهم، وأن الشعر العربي مليئ بالوجدان لما في الأمة العربية من إحساس ومشاعر، وأن إشكالية الصعلكة والعدوان والصراع بين القبائل لذلك لم يستحدث الصعاليك العدوان بل كان موجودًا، وتختلف أسباب الصعلكة في العصر الأموي عن سابقتها من العصور ويغلب عليها السياسة وتحييد القبائل وظهور شعر السجون .
واختتمت الأمسية بتكريم د.محمد نويلاتي للضيف، وتكريم الأستاذ حامد الشريف عريف الأمسية .